الجمعة، 3 فبراير 2017

التصوف سنة نبوية شريفة:

  باسم الله الرحمان الرحيم :
إستفتاح:
مع طغيان الماديات على المعنويات، وكثرة ملاهي الدنيا وتكاثراتها ، أصبحت عقول معظم المسلمين وقلوبهم ، بل وكل أرواحهم مشتتة ، حتى وهم في المساجد.. 

فرويدا رويدا ننغمس في دنيانا الفانية هاته وفي كل مفاتنها ، بإعراض عن نذيره سبحانه وتعالى  :
(ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر)1 التكاثر..
بل ومع كثرة الكلام عن الدين، وكثرة المواعظ ..
ومع تكاثر الكتب والقنوات والمواقع والمجموعات الدينية ، ومع تنوع مناهجها: إفترقنا فريقين :
1- فريق يستمتع بالحديث عن الدين دون أن يفكر في تفعيل علمه..
2- وفريق مل من كثرة الدروس الدينية بكل خطاباتها ليغلق كليا باب العلوم الإسلامية ويرفع شعار: (كفانا الفرائض ،والدين يسير ولا يعسره سوى السنيون). 
ولهذا صار أيسر منهاج للترقي إسلاميا هو التعلم للعمل ، وليس للتلذذ بالمواعظ والمعلومات ، وإلا سيغرق المسلمون أكثر فأكثر في قوله تعالى :


يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون)2 الصف.
ولهذا كان معهدنا هذا لفقه العمل الصوفي، أو لتقل ملتقى التصوف السني.
 والذي يبقى كل هدفه :التعليم بإيجاز والتربية على كل العمل الإسلامي ، إنطلاقا من فقه العمل الصوفي..
 مع الحرص على رفع مستوى المومن تدريجيا ،حتى لا يغرق في التبسيط لحد الرجعية .. ولا في المعلومات الدينية دون تفعيلها .
ولهذا نحرص على : 

إيجاز كل مقامات الإسلام الثلاث: إسلام وإيمان وإحسان..
وبالتصوف السني  كمدخل أساسي لكل علوم الإسلام .. 
إذ لا يغير الله تعالى ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا كما قال سبحانه:
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) 11 الرعد
فمن القلب فالفكر ثم تزكية الروح البداية...  
(ونفس وما زكاها 7فألهمها فجورها وتقواها8 قد أفلح من زكاها9 وقد خاب من دساها10)سورة الشمس
فلنفوسنا من النقائص ، ما لله تعالى من الكمالات..
أولا :تعريف التصوف السني:

لتربيتنا الروحية السنية هاته ، أو للتصوف السني وفقه التزكية، أو لتقل لفقه الإحسان  مئات التعاريف التي نحصربداياتها في :

التربية بهدف التوجه الكلي لله عز وجل قلبا وقالبا ، جسدا وعقلا وقلبا وروحا ..
 وبكل محبة لوجهه الكريم سبحانه، لا لغاية أخرى مهما عظمت..

فالتصوف في جملة : إسلام يذاق قلبا وروحا.
ولقد عرفها سنيا جل العارفين بفقه الإحسان : 
(أن تعبد الله كأنك تراه ..فإن لم تكن تراه فإنه يراك) :
 كما قال الرسول صلوات الله عليه عن عمر رضي الله عنه.
ثانيا : كيف أتربى روحيا ؟
لن ننال كمال هاته التربية الروحية إلا بالعمل بأمره تعالى : 
(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)7 الحشر.. 
فكل السبل مغلقة إلا وراء رسول الله صلوات الله عليه :
فتأمله وتخيله صلوات الله عليه وهو في خلواته... 

فلقد كان لا يخالط الصحابة الكرام رضي الله عنهم إلا لضرورة دعوية أو حياتية..
 تأمله وهو جالس وحده صلوات الله عليه يذكرويناجي الله اللطيف الودود حبيبه الأعلى بكل لطف ومحبة ومودة ، وبكل خشوع وخشية ولذة وذوق روحي وقلبي... 
تخيله وحيدا معه تعالى (فردا لفرد) ، وهو في حضرة الله الحبيب سبحانه بكل سكون وبكل طمأنينة وكل خشوع..
تأمله وهو شاعر بهاته الحضرة الربانية يتبتل وحده بكل خشوع منفردا..

تأمله في حضرة الرب الحبيب الإله سبحانه ذي الأسماء الحسنى ، والصفات العلى، والأفعال المثلى..: 
فردا لفرد .. 
هو صلوات الله عليه وهو سبحانه وتعالى ، ولا غير ..
إنها خلوته أو لتقل إنها إعتكافه : 
 وإنها مقاماته الزكية، وأحواله الصفية، التي نريد أن نذوقها كما ذاقها صلوات الله عليه في هاته الحضرة الربانية ..
 المقامات والأحوال التي إحتار بل وشطح فيها شيوخ التصوف وجل العارفين قدس الله أسرارهم، بل ولا يزال يغرق فيها - لحد الفناء عن الأنفس- كل الصادقين مع الله تعالى من المومنين والمحسنين والسالكين .
إنها لذة العبادة ، وإنها حلاوة الإيمان، وإنها برد اليقين ، وإنها الخشوع الدائم.. فسكون وطمأنينة وسكينة وهدوء في كل الحركات والسكنات.

وإنها لغايات عظمى ، لكنها ورغم كل هاته المراقي فقط بداية الصادقين .. والتي يبقى كل بابها الأول قوله تعالى:
(ألا بذكر الله تطمئن القلوب)28 الرعد
 إنها غايات عظمى ، لكنها يسيرة بالله تعالى إن صدقت النيات ، وصدقنا في توجهنا لوجهه الكريم سبحانه.. وتمت لنا أركان التصوف الحق ، وتفضل الله علينا بولي مرشد خبير بهذا السلوك، أو من ينوب عنه:
(الرحمان فاسأل به خبيرا) 59 الفرقان. 
(ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) 17الكهف
ولهذا ورثنا هذا الفقه من شيخ مربي عن شيخ مربي ، ومن ولي مرشد عن ولي مرشد قدس الله أسرارهم جميعا..
فكانت علوم الشريعة لعامة الفقهاء..
كما كانت علوم الحقيقة والسلوك الروحي والقلبي هاته من تربية الأولياء قدس الله أسرارهم:
(فلكل شيء حقيقة..) كما روي عن الرسول صلوات الله عليه.
 وكما أن الفقهاء رضي الله عنهم يحدثوننا عن الشريعة ، وعن كل فتاوى العقائد والعبادات وبعض المعاملات ، وكل فقه الحلال والحرام ، يربي الأولياء قدس الله أسرارهم مريديهم  لذوق حقائق كل هاته العبادات..
وليذوقوا قلبيا وروحيا حقيقة كل الشريعة ..
وبحلاوة الإيمان ولذة العبادة كبداية.. وبعدها لكل مريد تصوفه:
ولهذا كثرت تعاريف التصوف ....
ثالثا :أركان التصوف السني:
للتصوف السني كل أركان الإسلام الخمس :
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة ،وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا.
 فأركان الإيمان الست:
(الإيمان بالله ، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره). 
ثم ركني فقه الإحسان:
مقام الشهود: (أن تعبد الله كأنك تراه)

 ومقام المراقبة : (فإن لم تكن تراه فإنه يراك). 
ثم أركانها الثمانية في إجتهادنا لعلنا نذوق من قبسات وأنوار الله تعالى، ومن أحوال رسوله صلوات الله عليه ، ومقاماته العلية.. ومن واردات الملهمين من أولياء الله الصالحين قدس الله أسرارهم... وسكينة وطمأنينة كل الصادقين.
فنكون من محبي الحق ومن أحباب الحق بحق.. وعن حق..
فما أركان التصوف الثمانية التي تلي هاته الأركان الثلاثة عشر؟:

1: تجديد النية:
يقول الرسول صلوات الله عليه:عن عمر رضي الله عنه إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى) رواه البخاري ومسلم..
فكم من عمل كثير تفسده النية؟ وكم من عمل قليل تزكيه النية؟
فأمر الإخلاص في النيات خطير .. خصوصا وأن هم الشيطان الأكبر :  إفسادها..
ولهذا وجب تجديد نياتنا عند وقبل وبعد كل عمل، لعلنا نخلص كل أقوالنا وأفعالنا، وكل تحركاتنا وسكناتنا ، وكل حولنا وكل قوتنا له سبحانه وتعالى، ولوجهه الكريم، أو على الأقل بغية الآخرة ، لا حرصا على الدنيويات. 
وتجديد النية ليس ركنا في التربية الروحية فحسب ، بل هو الركن الركين لكل إسلامنا.. بل وقبل كل أركان الإسلام ، وإلا فالنفاق والرياء أعاذنا الله وإياكم منهما  .

(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار..) 145 النساء
2: الإخلاص :
وهو أن يكون تدينك صافيا من كل نواقض الأعمال ، وأن تكون حقا صادقا مع الله تعالى، وساعيا لوجهه الكريم  ، دون أي حظ نفسي دنيء  .. 
فالإخلاص سر موهوب من الله تعالى ، ولا يعرفه إلا هو سبحانه وتعالى ، وما عدا المبشرين  لا يمكن لأي منا الجزم بأنه من عباد الله المخلصين .
3: عدم الرياء:
وهو نقيض الإخلاص .. والمرائي كالمنافق ، يتدين بغية السمعة والجاه ، وبنية ناقصة غير خالصة .. 
بل ولا يكون هدفه من التدين إلا مصالح دنياه ونفسه لا غير...
4: الخشوع :  
حتى تخشع في كل صلواتك وأذكارك وإبتهالاتك، وفي كل مناجاتك لا بد لك من :
1.4- تدبر معاني تلاواتك وأذكارك وكل أدعيتك: إذ يصلي لسانك وعقلك يتأمل في كل الكلمات ، لعلك تذوق معاني كل ما تصلي أو تدعوا به .. 

فتناجي بلسانك وقلبك وعقلك معا، لعل الله يمن عليك بصلوات روحك. 
2.4- الإطمئنان والسكون في كل حركات صلواتك : فلا تنقر الصلاة نقرا ، وتتلو وتسبح وتذكر وتدعو دون فهم لما تقول، فتتسرع في كل حركات الصلاة:
 فقم لله حتى تطمئن قائما، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، وقم حتى تستوي مطمئنا، فاسجد حتى تطمئن ساجدا ،واجلس بين الركعتين حتى تطمئن، وهذا في كل حركات وسكنات الصلا ة...

 فالسكينة من صفات الإيمان العليا، ولا تأتي دون خشوع في الصلوات.
3.4- التبكير للصلوت الخمس حتى لا تدخل في الصلاة وعقلك منشغل وقلبك مشتت.
4.4- المحافظة الدائمة على الوضوء: بل ولا يكون الوضوء لصلواتك فقط.

5: كثرة الذكر :
 لم يدع الله تعالى بالكثرة من أية عبادة عدا:
 العلم : 
( وقل رب زدني علما) 114 طه ، 
والذكر :
( واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) 45 الأنفال ،
 والشكر: 
(لئن شكرتم لأزيدنكم)  7 إبراهيم .. 
بل وأثنى الله على الذاكرين بكثرة في قوله تعالى: 

(والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) 35 الأحزاب :
وأول وأعظم ذكر قراءة وترتيل وتجويد وتدبر القرآن الكريم، ثم الصلوات بكل نوافلها، فالباقيات الصالحات :

(سبحان الله ،والحمد لله ،ولا إله إلا الله، والله أكبر،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)
ثم كثرة الإستغفار، وكثرة الصلاة على النبي صلوات الله عليه...

وبعدها وقبلها ومعها كل المناجات والإبتهالات والأدعية.
ثم الذكر والدعاء بأسماء الله الحسنى كلها كما أمرنا بذلك الله تعالى بقوله : 
(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)180 الأعراف.  
كما أن كل أنواع العلم ذكر إن خلصت النيات.
6: التدبر في القرآن الكريم :
إذ يقول الله تعالى : (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟)24 سورة محمد
وكما أن هناك آيات كبرى تدعونا لتلاوة ولترتيل ولتجويد ودراسة القرآن الكريم، هناك آيات كثيرة تدعونا للتفكر فيه وتدبره لحد الحديث عن علوم إعجازاته البلاغية والبيانية والعلمية والطبيعية  والمستقبلية  ...و.... بل ولحد إعجازاته الرقمية... وكل عجائبه.
وللتدبر الأولي ننصح بكتاب : (كلمات القرآن) لحسنين مخلوف كمدخل أول لتفسيره اللغوي قبل أي تفسير آخر.

7: التفكر :
بمعنى التدبر والسعي للفهم - بنية العلم والعمل معا - في القرآن الكريم ،والسنة الشريفة، وفي النفس والغيروالمجتمعات وكل الكون.
بل وفي كل ما حق من معارف وعلوم،  لعلنا نرقى للحكمة في العلم والعمل ، فنحافظ على صفاء عقيدة التوحيد ، وعلى كل ما يلزمها من عبادات مستقيمة ومعاملات جليلة ، لعل قلوبنا تذوق علم اليقين كعلم من علوم التصوف... 
بل ولعل الله يكرمنا بعين اليقين ، فحق اليقين ..
فنلهم كما ألهم ولا زال يلهم العارفين منا قدس الله أسرارهم..
(كلا لوتعلمون علم اليقين5 لترون الجحيم 6ثم لترونها عين اليقين 7..)
سورة التكاثر.
8: عبادة الله محبة فيه :
ورغم أننا سنفصل هذا في محاضرة (محبة الله تعالى) التالية.. فإن جواهر الحب الإلهي لا تشرح بل تذاق إنطلاقا من قوله تعالى للرسول صلوات الله عليه:
(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) 31 آل عمران
فلا محبة  دون شريعة  ... :
بل والمحبة الحقة والتصوف الحق هما: 
(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) 7 الحشر..
رابعا : التواجد: 
لكل هذا ترتكز التربية الصوفية بجل الزوايا على أذكار خاصة لكل شيخ ، يربي عبرها مريديه سالكا بهم سبيلا من سبل الهدى التي قال عنها الله سبحانه وتعالى :
 (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)العنكبوت (69)
 فلاحظ كيف جمع الله هنا بين فقه الإحسان وسبيل المحسنين وسبل الهدى في هاته الآية الكريمة ...
فلا ينهى الله سبحانه وتعالى إلا عن سبل التفرقة وسبل الضلال، لا عن سبل الهدى كما بقوله تعالى: 
( ...ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله...)  153 الأنعام.
فالضلال في كل ما يفرق، والإحسان كل الإحسان في كل مايوحد ويهدي عن بصيرة:
إذ روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلوات الله عليه : 
( إن أمتي لا تجتمع على الضلالة، فإذا رأيتم إختلافا فعليكم بالسواد الأعظم)
ولهذا نحث كل صادق في سلوكه القلبي على توحيد الصف مع عامة المسلمين، وتوحيد كل العقل ،وكل القلب، وكل الروح لله ، وهذا سبيل لم يسلكه بعد الأنبياء عليهم السلام إلا أولياء الله الصالحين قدس الله أسرارهم، والذين أوصونا جميعهم :
1- بكثرة الأذكار والإكثار من الأدعية.
2- بالخشوع في كل الصلوات كبداية لكل التواجد الصوفي.
لعلنا نذوق بعض أنوار العارفين حقا ، ونفوز بميلادنا الروحي إنطلاقا من حلاوة إيماننا ولذة عباداتنا كما بقوله صلوات الله عليه:
((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد رسولاً))
أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه عن العباس بن عبد المطلب
خامسا : من القلب البداية : 
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: 
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 
((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله،
 وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))؛ 
متفق عليه 

فرجاء ردد معنا في كل سجود:
(اللهم ارزقنا حلاوة الإيمان ولذة العبادة وبرد اليقين ). 
واللهم كل الصلاة وكل السلام وكل التسليم
على محمد وعلى آل محمد.

فروض :
أولا: إستخرج على الأقل 20 كلمة هامة من هاته النصوص.
ثانيا: لخص في أكثر من 10سطور ما فهمته منها.
ثالثا: إحفظ ما تيسر من آياتها وأحاديثها .
رابعا: إحفظ أركان الإسلام والإيمان والإحسان.
والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق