الاثنين، 13 مارس 2017

الورقة العرفانية الأولى:

باسم الله تعالى الرحمان الرحيم ، وعلى نبينا محمد كل الصلاة وكل السلام وكل التسليم :
المعهد الإسلامي لفقه التصوف:   www.fiqhe.blogspot.com 
التصوف أخلاق وأشواق وأذواق.
الورقة العرفانية الأولى : لماذا كتاب رياض الصالحين:
المعهد الإسلامي لفقه التصوف معهد قرآني سني عرفاني يسعى إلى:
1- تكوين ممارسين ومكونين في فقه التصوف السني..
2- المساهمة في تطبيب التصوف الإسلامي من كل ما صار يشوب سلوكه وفكره من ممارسات شاذة وفهم خاطئ .. 
3- التحفيز على كل الجماليات الإسلامية كعلاج للتطرف.
4- إحياء الثرات الصوفي والعلمي للمسجد الأعظم بقصبة أكوراي الشريفة (كملتقى تاريخي لكل الزوايا الصوفية).
إذ نركز على بناء العقل المسلم ، وتزكية القلب المومن ، وتربية الروح المحسنة ، وعلى تصفية النفس والصدر ببرامج تعليمية أولا، وعن حق يقين، وعلم يقين ،وعين يقين وبصيرة ولله الحمد.
ولهذا نبرمج في مستوانا التعليمي الأول هذا: (دراسة كتاب رياض الصالحين) :
وذاك للعديد من المزايا ،ومن بينها:
أولا : أنه يرتب العمل الإسلامي أولا فأولا .
ثانيا: لأنه يدعو مباشرة للعمل السني.
ثالثا: لأنه لا يغرق الدارس  في التفاصيل الزائدة.
فإن كانت لغتك العربية جيدة 
وإشتريت :
(كتاب رياض الصالحين) كمرجع أولي للمعهد.
وكتاب الدعاء المستجاب:
فمرحبا بك للدراسة مدى الحياة في معهدنا.


السبت، 4 مارس 2017

الحقيقة المحمدية:

باسم الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد:
اللَّهُمَّ أَفِضْ صِلَةَ صَلَوَاتِكَ. وَسَلاَمَةَ تَسْلِيمَاتِكَ. عَلَى أَوَّلِ الْتَّعَيُّنَاتِ الْمُفَاضَةِ مِنَ الْعَمَاءِ الرَّبَّانِي. وَآخِرِ التَّنَزُّلاَتِ الْمُضَافَةِ إِلَى النَّوْعِ الإِنْسَانِي. الْمُهَاجِرِ مِنْ مَكَّةٍ كَانَ الله وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ ثَانٍ. إِلَى مَدِينَةِ وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ. مُحْصِي عَوَالِمِ الْحَضَرَاتِ الإِلَهِيَّةِ الْخَمْسِ فِي وُجُودِهِ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ. وَرَاحِمِ سِائِلِي اسْتِعْدَادَتِهَا بِنَدَاهُ وَجُودِهِ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ. نُقْطَةِ الْبَسْمَلِةِ الْجَامِعَةِ لِمَا يَكُونُ وَلِمَا كَانَ. وَنُقْطَةِ الأَمْرَ الْجَوَّالَةِ بِدَوَائِرِ الأَكِوَانِ. سِرِّ الْهُوِيَّةِ الِّتِي فِي كُلِّ شَيْءٍ سَارِيًةٌ. وَعَنْ كُلِّ شَيْءٍ مُجَرَّدَةٌ وَعَارِيَةٌ. أَمِينِ الله عَلَى خَزَائِنِ الْفَوَاضِلَ وَمَسْتَوْدَعِهَا. وَمُقَسِّمِهَا عَلَى حَسَبِ الْقَوَابِلِ وَمُوَزِّعِها. كَلِمَةِ الاسْمِ الأَعْظَمِ. وَفَاتِحَةِ الْكَنِزِ الْمُطَلْسَمِ. الْمَظْهَرِ الأَتَمْ الْجَامِعِ بَيْنَ الْعُبُودِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ. وَالنَّشْءِ الأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلإِمْكَانِيَّةِ وَالوُجُوبِيَّةِ. الطَّوْدِ الأَشَمْ الَّذِي لَمْ يُزَحْزِحْهُ تَجَلِّي التَّعَيُّنَاتِ عَنْ مَقَامِ التَّمْكِينِ. وَالْبَحْرِ الْخِضَمِّ الَّذِي لَمْ تُعَكِّرْهُ جِيَفَ الْغَفَلاَتِ عَنْ صَفَاءِ الْيَقِينِ. الْقَلَمِ النُّورَانِيِّ الْجَارِي بِمِدَادِ الْحُرُوفِ الْعَالِيَاتِ. وَالنَّفَسِ الرَّحْمَانِيِّ السَّارِي بَمَوَادِ الْكَلِمَاتِ التَّامَّاتِ. الْفَيْضِ الأَقْدَسِ الذَّاتِيِّ الَّذِي تَعَيَّنَتْ بِهِ الأَعْيَانُ وَاسْتِعْدَادَاتُهَا. وَالْفَيْضِ الْمُقَدَّسِ الصَفَاتِيِّ الَّذِي تَكَوَّنَتْ بِهِ الأَكْوَانُ وَاسْتِمْدَادَاتُهَا. مَطْلَعِ شَمْسِ الذَّاتِ فِي سَمَاءِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. وَمَنْبَعِ نُورِ الإِفَاضَاتِ فِي رِيَاضِ الِّسَبِ وَالإِضَافَاتِ. خَطِّ الْوَحْدَةِ بَيْنَ قَوْسَيِ الأَحَدِيَّةِ وَالْوَاحِدِيِّةِ. وَوَاسِطَةِ التَّنُزُّلِ مِنْ سَمَاءِ الأَزَلِيَّةِ إِلَى أَرْضِ الأَبَدِيَّةِ. النُّسْخَةِ الصُّغْرَى الَّتِي تَفَرَّعَتْ عَنْهَا الْكُبْرَى. وَالدُّرَّةِ الْبَيْضَاء الَّتِي تَنَزَّلَتْ إِلَى الْيَاقُوتَةِ الْحَمْرَاء. جَوْهَرَةِ الْحَوَادِثِ الإِمْكَانِيَّةِ الَّتِي لاَ تَخْلُو عَنْ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ. وَمَادَّةِ الْكَلِمَةِ الْفَهْوَانِيَّةِ الْطَالِعَةِ مِنْ كِنِّ كُنْ إِلَى شَهَادَةِ فَيَكُونُ. هُيُولَى الصُّوَر الَّتِي لاَ تَتَجَلَّى بِإِحْدَاهَا مَرَّةً لاِثْنَيْنِ. وَلاَ بِصُورَةٍ مِنْهَا لأَِحَدٍ مَرَّتَيْنِ. قُرْآنِ الْجَمْعِ الشَّامِلِ لِلْمُمْتَنِعِ وَالْعَدِيمِ. وَفُرْقَانِ الْفَرْقِ الْفَاصِلً بَيْنَ الْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ. صَائِمِ نَهَارِ إِنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي. وَقَائِمِ لَيْلٍ تَنَامْ عَيْنَايَ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي. وَاسِطِةِ مَا بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدمِ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. وَرَابِطَةِ تَعَلُّقِ الْحُدُوثِ بِالْقِدَمِ بَينَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ. فَذْلَكَةِ دَفْتَرِ الأَوَّلِ وَالآخِرِ. وَمَرْكَزِ إِحَاطَةِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ. حَبِيبِكَ الَّذِي اسْتَجْلَيْتَ بِهِ جَمَالَ ذَاتِكَ عَلَى مِنَصَّةِ تَجَلِّيَاتِكَ. وَنَصَبْتَهُ قِبْلَةً لِتَوَجُّهَاتِكَ فِي جَامعِ تَجَلِّيَاتِكَ. وَخَلَعْتَ عَلَيْهِ خِلْعَةَ الصِّفَاتِ وَالأَسْمَاء. وَتَوَّجْتَهُ بَتَاجِ الْخِلاَفَةِ الْعُظْمَى. وَأَسْرَيْتَ بِجَسَدِهِ يَقْظَةَ مِنَ الْمَسْجَدَ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى. حَتَّى انْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. وَتَرَقَّى إِلَى قَابِ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَانْسَرَّ فُؤَادُهُ بِشُهُودِكَ حَيْثُ لاَ صَبَاحَ وَلاَ مَسَا. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. وَقَرَّ بَصَرُهُ بِوُجُودِكَ حَيْثُ لاَ خَلاَءَ وَلاَ مَلاَ. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. صَلِّ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ صَلاَةً يَصِلُ بِهَا فَرْعِي إِلَى أَصْلِي. وَبَعْضِي إِلَى كُلِّي. لِتَتَّحِدَ ذَاتِي بِذَاتِه. وَصِفَاتِي بِصِفَاتِهِ. وَتَقَرَّ الْعَيْنُ بَالْعَيْنِ. وَيَفِرَّ الْبَيْنُ مِنَ الْبَيْنِ. وَسَلِّمْ عَلَيْهِ سَلاَماً أَسْلَمُ بِهِ فِي مُتَابَعَتِهِ مِنَ التَّخَلُّفِ. وَأَسْلَمُ فِي طَرِيقِ شَرِيعَتِهِ مِنَ التَّعَسُّفِ. لأَِفْتَحَ بَابَ مَحَبَّتِكَ إِيَّايَ بِمِفْتَاحِ مُتَابَعَتِهِ. وَأَشْهَدَكَ فِي حَوَاسِّي وَأَعْضَائيَ مِنْ مِشْكَاةِ شَرْعِهِ وَطَاعَتِهِ. وَأَدْخُلَ وَرَاءَهُ إِلَى حِصْنِ لاَ إِلَهَ إَلاَّ الله. وَفِي أَثَرِهِ إِلَى خَلْوَةِ لِي وَقْتٌ مَعَ الله. إِذْ هُوَ بَابُكَ الَّذِي مَنْ لَمْ يَقْصَدْكَ مِنْهُ سُدَّتْ عَلَيْهِ الطُّرُقُ وَالأَبْوَابُ. وَرُدَّ بِعَصَا الأَدَبِ إِلَى إِسْطَبْلِ الدَّوَابِّ. اللَّهُمَّ يَا رَبِّ يَا مَنْ لَيْسَ حِجَابُهُ إَلاَّ النُّورَ. وَلاَ خَفَاؤُهُ إَلاَّ شِدَّةَ الظُّهُورِ. أَسْأَلُكَ بِكَ فِي مَرْتَبَةِ إِطْلاَقِكَ عَنْ كَلِّ تَقْيِيدٍ. الَّتِي تَفْعَلُ فِيهَا مَا تَشَاءُ وَتُرِيدُ. وَبِكَشْفَكَ عَنْ ذَاتِكَ بِالْعِلْمِ النُّورِيِّ. وَتَحَوُّلِكَ فِي صُوَرِ أَسْمَائِكَ وَصِفَاتِكَ بَالْوُجُودِ الصُّورِيِّ. أَنْ تُصَلِّي عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلاَةً تَكْحَلُ بِهَا بَصِيرَتِي بِالنُّورِ الْمَرْشُوشِ فِي الأَزَلِ. لأَِشْهَدَ فَنَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ وَبَقْاءَ مَا لَمْ يَزَلْ. وَأَرَى الأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ فِي أَصْلِهَا مَعْدُومَةً مَفْقُودَةً. وَكَوْنَهَا لَمْ تَشَمَّ رَائِحَةَ الْوُجُودِ فَضْلاً عَنْ كَوْنِهَا مَوْجُودَةً. وَأَخْرِجْنِي اللَّهُمَّ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ مِنْ ظُلْمَةِ أَنَانِيَّتِي إِلَى الْنُّورِ. وَمِنْ قَبِرِ جُثَمَانِيَّتِي إِلَى جَمْعِ الْحَشْرِ وَفَرْقِ النُّشُورِ. وَأَفِضْ عَلَيَّ مِنْ سَمَاءِ تَوْحِيدِكَ إِيَّاكَ. مَا تُطَهِّرُنِي بِهِ مِنْ رِجْسِ الشِّرْكِ وَالإِشْرَاكِ. وَأَنْعِشْنِي بِالْمَوْتَةِ الأُولَى وَالْوِلاَدَةِ الثَّانِيَةِ. وَأَحِيِنِي بِالْحَيَاةِ الْبَاقِيَةِ في هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ. وَاجْعَلْ لِي نُوراً أَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ. وَأَرَى بِهِ وَجْهَكَ أَيْنَمَا تَوَلَّيْتُ بِدُونِ اشْتِبَاهٍ وَلاَ الْتِبَاسٍ. نَاظِراً بِعَيْنَيِ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ. فَاصِلاً بِحُكْمِ الْقَطْعِ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْحَقِّ. دَالاًّ عَلَيْكَ. وَهَادِياً بِإِذْنِكَ إِلَيْكَ. يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (ثلاثاً) صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلاَةً تَتَقَبَّلُ بِهَا دُعَائِي. وَتُحَقِّقُ بِهَا رَجَائِي. وَعَلَى آلِهِ آلِ الشُّهُودِ وَالْعِرْفَانِ. وَأَصْحَابِهِ أَصْحَابِ الذَّوْقِ وَالْوِجْدَانِ. مَا انْتَشَرَتْ طُرَّةُ لَيْلِ الْكِيَانِ. وَأَسْفَرَتْ غُرَّةُ جَبِينِ الْعِيَانِ آمِينْ (ثلاثاً) وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

الخلوة النبوية الشريفة:

يعرف الصوفية الخلوة على أنها: انقطاع عن البشر لفترة محدودة، وترك للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة، كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، ويستريح الفكر من المشاغل اليومية التي لا تنقطع، ثم ذكرٌ لله بقلب حاضر خاشع، وتفكرٌ في آلائه آناء الليل وأطراف النهار، وذلك بإرشاد شيخ عارف بالله، يُعلِّمه إذا جهل، ويذكِّره إذا غفل، وينشطه إذا فتر، ويساعده على دفع الوساوس وهواجس النفس.
أما عن دليلها الذي يستدلون به من الكتاب والسنة، عديدة، منها:
• إلآية القرآنية: (واذكرِ اسم ربِّكَ وتَبَتَّلْ إليه تبتيلاً) [المزمل: 8]. وقد قال العلامة أبو السعود مفسراً لهذه الآية: ودُم على ذكره تعالى ليلاً ونهاراً على أي وجه كان؛ من التسبيح والتهليل والتحميد... إلى أن قال: وانقطعَ إليه بمجامع الهمة واستغراق العزيمة في مراقبته، وحيث لم يكن ذلك إلا بتجريد نفسه عليه الصلاة والسلام عن العوائق الصادرة المانعة عن مراقبة الله، وقطع العلائق عما سواه.
• حديث عن عائشة أنها قالت: "أولُ ما بُدِئَ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاءُ، وكان يخلو بغار حِراءَ؛ فيتَحَنَّثُ فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، ويتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء". وقد قال ابن أبي جمرة في شرحه لهذا الحديث: "في الحديث دليل على أن الخلوة عون للإنسان على تعبده وصلاح دينه، لأن النبي لما اعتزل عن الناس وخلا بنفسه، أتاه هذا الخير العظيم، وكل أحد امتثل ذلك أتاه الخير بحسب ما قسم له من مقامات الولاية. وفيه دليل على أن الأوْلى بأهل البداية الخلوة والاعتزال، لأن النبي كان في أول أمره يخلو بنفسه". وقال القسطلاني في شرحه لحديث عائشة المذكور: "وفيه تنبيه على فضل العزلة لأنها تريح القلب من أشغال الدنيا، وتفرغه لله تعالى، فتنفجر منه ينابيع الحكمة. والخلوة أن يخلو عن غيره، بل وعن نفسه بربه، وعند ذلك يصير خليقاً بأن يكون قالبه ممراً لواردات علوم الغيب، وقلبه مقراً لها".
ويذكر الإمام الغزالي طريقة الخلوة ومراحلها ومقاماتها، فيقول: "أن الشيخ يُلزِم المريد زاوية ينفرد بها، ويوكل به من يقوم له بقدر يسير من القوت الحلال - فإنَّ أصل الدين القوت الحلال - وعند ذلك يلقنه ذكراً من الأذكار، حتى يشغل به لسانه وقلبه، فيجلس ويقول مثلاً: الله، الله، أو سبحان الله، سبحان الله، أو ما يراه الشيخ من الكلمات، فلا يزال يواظب عليه، حتى يسقط الأثر عن اللسان، وتبقى صورة اللفظ في القلب، ثم لا يزال كذلك حتى تُمحى من القلب حروف اللفظ وصورته، وتبقى حقيقة معناه لازمة للقلب، حاضرة معه، غالبة عليه، قد فرغ عن كل ما سواه، لأن القلب إذا اشتغل بشيء خلا عن غيره - أيَّ شيء كان - فإذا اشتغل بذكر الله وهو المقصود، خلا لا محالة من غيره. وعند ذلك يلزمه أن يراقب وساوس القلب، والخواطر التي تتعلق بالدنيا، وما يتذكر فيه مما قد مضى من أحواله وأحوال غيره، فإنه مهما اشتغل بشيء منه - ولو في لحظة - خلا قلبه عن الذكر في تلك اللحظة، وكان أيضاً نقصاناً. فليجتهد في دفع ذلك، ومهما دفع الوساوس كلها، وردَّ النفس إلى هذه الكلمة، جاءته الوساوس من هذه الكلمة، وإنها ما هي؟ وما معنى قولنا: الله؟ ولأي معنى كان إلهاً، وكان معبوداً؟ ويعتريه عند ذلك خواطر تفتح عليه باب الفكر، وربما يَرِدُ عليه من وساوس الشيطان ما هو كفر وبدعة، ومهما كان كارهاً لذلك، ومُتَشمِّراً لإماطته عن القلب لم يضره ذلك".
ويجعل الصوفية للخلوة نوعين، هما:
• خلوة عامة: ينفرد بها المؤمن ليتفرغ لذكر الله بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن، أو محاسبة نفسه، أو ليتفكر في خلق السموت والأرض.
• خلوة خاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهذه لا تكون إلا بإشراف مرشدٍ مأذون، يُلَقِّنُ المريدَ ذكراً معيناً، ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفعه إلى آفاق المعرفة، ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المُكَوِّن.
واللهم صل على محمد وآله والصحب وكل الأولياء والأنبياء والمرسلين بكل صلواتك وتسليماتك. يااااااااااااااااا ألله يا رب واحد أحد:

(واذكر إسم ربك بكرة وأصيلا ) صدق الله العظيم:


هل تدري ماذا يحدث لنا عندما ننطق لفظ الجلالة ؟:الله؟:
 توصل باحث غربي بأن تكرار لفظ الجلاله (الله) يفرغ شحنات التوتروالقلق بصورة عملية ويعيد حالة الهدوء والانتظام التنفسي ...
 أكد الباحث أنه أجرى على مدار 3 سنوات لعدد كبير من المرضى بينهم غير مسلمين ولاينطقون العربية :
وكانت النتائج مذهلة بخاصة للمرضى الذين يعانون من حالات شديدة من الأكتئاب والقلق والتوتر .
وأوضح الباحث بصورة عملية فائدة النطق بلفظ الجلاله :(الله)
فحرف الألف يصدر من المنطقه التي تعلو منطقة الصدر أي بدايات التنفس ':
 ويؤدي تكراره لتنظيم التنفس والاحساس بارتياح داخلي . ..
كما أن نطق حرف اللام يأتي نتيجة لوضع اللسان على الجزء الأعلى من الفك وملامسته 'وهذه الحركة تؤدي للسكون والصمت ثوان أو جزء من الثانيه _ مع التكرار السريع _ وهذا الصمت اللحظي يعطي راحة في التنفس ...
 أما حرف الهاء الذي مهد له بقوه حرف اللام ' فيــؤدي نطقه الى حدوث ربط بين الرئتين _ عصب ومركز الجهاز التنفسي _ وبين القلب ' ويؤدي الى انتظام ضربات القلب بصورة طبيعية .
فاذكر إسم ربك ...: صدق الله العظيم..
أذكر منشغلا بمحبته سبحانه وتعالى...
فهي بداية التصوف العرفاني.

الجمعة، 3 مارس 2017

المعارف الأساسية للإيمان الصحيح:

الإيمان الصحيح لن يتحقق إلا بمعارف أساسية:
التفكر في كتاب الله المنظور : الكون.
والتفكر في كتاب الله المسطور: القرآن الكريم.
إذ هناك كتابان للتأمل والتدبر والتفكر:
1- معرفة قدر الله وعظمته بالتفكُّر في آيات الله الكونية الدالة على جلاله تعالى، وقد جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة بالأمر بالتفكُّر في هذه الآيات الكونية والتحذير كل الحذر من إهمالها..
 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جزءٍ من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: «لقد نزلت عليَّ الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [آل عمران:190-191] صدق الله العظيم.

2- المعرفة والتدبُّر فيما أرسله الله لنا من كتاب كريم -القرآن العظيم- كإرشادٍ لنا في الدار الدنيا حتى نصل إلى الآخرة بسلام..

قال تعالى: {أفلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] صدق الله العظيم.

وهاتان المعرفتان الأساسيتان لا يمكن الحصول عليهما إلا بالتفكُّر في كون الله والتدبُّر في كتاب الله. ويُخطئ المرء لو ظن أن التفكُّر والتدبُّر هما حِكرٌ على طبقة معينة من الناس يدعون لأنفسهم أو يشهد الناس لهم بالفكر والمعرفة، لا.. فإن من عظمة كتاب الله أن الإنسان البسيط والعالم الكبير، كلاهما، يستطيعان استخراج لآلئ المعرفة والفكر منه والتدبُّر فيها، لذلك نرى الآية من كتاب الله يفهمها الرجل البسيط فهمًا ويفهمها العالم المتمكن فهمًا آخر وكلا الفهمان قد يكونان صحيحان في الآن ذاته.

وأيضًا فإن من عظمة خلق الله أن البدوي البسيط يستطيع إعمال عقله فيه، فيدرك وجود الله وعظمته وجلاله وذلك كما قال الأعرابي الذي سُئِل عن وجود الله فقال: "السير يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، أفأرضٌ ذات فجاج! وبحارٌ ذات أمواج! وسماءٌ ذات أبراج، ألا يدل هذا كله على وجود الحكيم الخبير".

والعالم العبقري يجد وجود الله جليًا أمامه، تنضح بدلالاته أسرار الكون وخفاياه. ومثال ذلك ما كشفه العلم الحديث في  "المبدأ الإنساني القوي" من أن خصائص الكون خُلِقت ملائمة تمامًا لإعالة الحياة فيه -وليس في الأرض وحدها بل في الكون بأسره- مما يدل على تصميم الله تعالى الفائق الإتقان للكون لهدف رعاية الحياة وحمايتها.

3 التفكر في النفس:

( وفي أنفسكم أفلا تبصرون)؟ صدق الله العظيم
إنه الباب الأكبر للسلوك القلبي والروحي والعقلي لمن إعتبر.

خطورة عدم التفكُّر في آيات الله:

إن عدم التفكُّر في آيات الله الكونية -ظواهر الكون الدالة على عظمة الله وجلاله- والقرآنية وفي الأنفس كما أمر بذلك الله تعالى لهو مصيبة كبرى في الآخرة، فانتبهوا انتبهوا يا أولي الألباب.

قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:124-126] صدق الله العظيم.

والذكر هنا ليس ذكرًا باللسان فقط بل الأهم من ذكر اللسان هو ذكر القلب والعقل. ذكر آيات الله وعدم نسيانها سواءً القرآني منها والكوني. والنسيان -الغفلة والتجاهل- كما تنبَّه الآية يجرُّ إلى خطر جلل.

الخلاصة:

التفكُّر.. التفكُّر.. يا أولي الألباب قبل أن تأزف الآزفة {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89].
والتصوف الحق : فكر وذكر، وهو الإسلام كله.
والله أعلم.
فروض:
1- إستخرج كل الكلمات الدالة على معاني الموضوع
2- ضع عنوانا لكل فقرة من فقرات النص
3- إستخرج كل الأفكار العامة للنص
4- إنشاء:
   التفكر في النفس عبادة: حلل وناقش؟

الخميس، 2 مارس 2017

ركن محبة الله تعالى:



إن محبة الله عز وجل هي قوت القلوب.. وغذاء الأرواح.. وقرة العيون .. وسرور النفوس .. وروح الحياة.. ونور العقول...
 ومن حرمها فهو من جملة الأموات ..ومن فقدها فهو في بحار الظلمات .
إعلم رحمك الله تعالى أن حب الله تعالى شرط من شروط الإيمان قال الله تعالى: (( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ))

 فقوله تعالى: (( والذين آمنوا أشد حبا لله )) يدل على أن حب الله ينبغي أن لا يساويه حب.. وأن حب الله لابد أن يستحوذ على القلب كله له وحده سبحانه وتعالى: فيكون حبه كنواة وما عداه يدور في فلكها كالمجموعة الشمسية .
قال تعالى: (( قل إن كانَ آباؤكُم وأبناؤكم وإخوانكُم وأزواجكُم وعشيرتُكُم وأَموالٌ اقترفتموها وتِجَارةٌ تَخشونَ كسادها ومساكنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إليكُم من اللهِ ورسولهِ وجَهَادٍ في سَبيلهِ فَتَربَّصُوا حتى يَأتِيَ اللهُ بأمرهِ واللهُ لا يهدي القومَ الفَاسِقِينَ )) 

دلت الآية: على أن حب الله وحب رسوله والجهاد في سبيله فرض وأنه لا ينبغي أن يكون شيء سواه أحب إلى أهل الإيمان منه.. وبمثل ذلك جاءت السنة :
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يوقد له نار فيقذف فيها )) رواه البخاري .
 قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: والله لا تبلغوا ذروة هذا الأمر حتى لا يكون شيء أحب إليكم من الله تعالى ومن أحب القرآن فقد أحب الله .

أولا: الأسباب التي تستجلب بها محبة الله تعالى:

1- معرفة أسماء الله وصفاته الذاتية والفعلية .
2- معرفة نعمه تعالى على عباده .
3- كثرة ذكره سبحانه وتعالى مع حضور القلب .
4- تلاوة القرآن بالتدبر والتفكر . 

قال سهل بن عبد الله: علامة حب الله حب القرآن .
5- الإخلاص لله تعالى في الأقوال والأفعال .
6- تذكر ما ورد في القرآن والسنة من رؤية أهل الجنة لله تعالى في الجنة وزيارتهم له تعالى واجتماعهم يوم المزيد والكلام معه تعالى بدون ترجمان ولا حجاب .
7- حب ما يحبه الله وبغض ما يبغضه الله تعالى .
8- موالاة أولياء الله عز وجل ومعاداة أعدائه . 


ثانيا:  الأسباب التي يستجلب بها العبد محبة الله له منها:

1- انكسار القلب وخضوعه لله تعالى في كل الأوقات .
2- متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأخلاقه ظاهراً وباطناً قال تعالى:

 (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )) 
هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم :فإنه غير صادق في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله .
3- الإكثار من النوافل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما يزال عبدي يتقرب إلى بنوافل حتى أحبه )) رواه البخاري .
4- الخلوة به تعالى وقت نزوله سبحانه وتعالى في الثلث الآخر
 من الليل كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له )) رواه البخاري ومسلم .‌
5- مجالسة الصالحين الصادقين .
6- الزهد في الدنيا فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أزهد في الدنيا يحبك الله )) رواه ابن ماجه والطبراني وصححه الألباني .


ثالثا: علامات محبة العبد لله تعالى : 

1- المداومة على ذكر الله بالقلب قبل اللسان .
2- الشوق إلى لقاء الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن لم يحب لقاء الله لم يحب الله لقاءه )) رواه النسائي والترمذي وصححه الألباني .
3- الإكثار من تلاوة القرآن على جهة التلذذ والاستمتاع .
4- الرضا بقضاء الله في السراء والضراء
5- المتابعة المطلقة للرسول صلى الله عليه وسلم .
6- الخوف منه تعالى والبكاء على الخطيئة .
7- الرجاء في رحمته في حال الضعف .
8- الزهد في الدنيا . 


رابعا: محبة الله اسم لمعان كثيرة منها : 

أحدها : الاعتقاد أنه سبحانه وتعالى محمود من كل وجه لا شيء من صفاته إلا وهو مدحه له .
الثاني : الاعتقاد أنه محسن إلى عباده منعم متفضل عليهم .
الثالث : اعتقاد أن الإحسان الواقع منه عز وجل أكبر وأجل من أن يقابله قول العبد وعمله .
الرابع : أن تكون آماله منعقدة به عز وجل ولا يرى في حال من الأحوال أنه غني عنه تعالى .
الخامس : أن يحرص على أداء فرائضه والتقرب إليه من نوافل الخير مما يطيقه .
تأمل في ثمرة محبة الله لعبده: في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء قال: ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه قال: فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فابغضوه قال: فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض )) 

خامسا: الحب العرفاني:

هذا عند أهل الفقه : الذين شرحوا الأعمال الصالحة الموجبة لمحبة الله للمومن الحق وحب المومنين لله تعالى..
أما أهل العرفان فإختصوا في أذواق المحبة حتى قال بعضهم بأن الحب الإلهي لا يشرح: بل يذاق.... 
وفي سلوكهم رسموا لنا العديد من أحوال ومقامات الحب الإلهي رغم غلو بعضهم في هذا لحد محاولة إثبات أحوال التأله والفناء كمقامات لا أحوالا وشطحات ...:
الأمر الذي جعل بعض المتصوفة يغرقون في فلسفة وحدة الوجود والحلول التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وما الفناء في محبة الله إلا حالا،وليست بمقام صوفي ثابت.


الأربعاء، 1 مارس 2017

عن منهجنا

الكفايات
موجز مفهوم السنة الشاملة
العقيدة السلفية
العقيدة الأشعرية
قريبا بحول الله تعالى

محبة الرسول صلوات الله عليه:


باسم الله الودود القريب
والسلام على حبيبه الحبيب
وكل الآل والصحب:


الحمد لله الذي جعل محبة محمد  - صلى الله عليه وسلم- من الإيمان، وجعل سنته طريق لدخول الجنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر بمحبة النبي العدنان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من صلى وصام، - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام, أما بعد:
بأبي وأمي أنت يا خير الورى *** وصلاة ربي والسلام معطرا
يا خاتم الرسل الكرام محمد *** بالوحي والقرآن كنت مطهرا
لك يا رسول الله صدق محبة *** وبفيضها شهد اللسان وعبرا
لك يا رسول الله صدق محبة *** فاقت محبة من على وجه الثرى
لك يا رسول الله صدق محبة *** لا تنتهي أبدا ولن تتغيرا([1])
إن محبة محمد- صلى الله عليه وسلم- فرض لازم على كل مسلم حباً صادقاً مخلصاً؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها، واستحقاقه لها-صلى الله عليه وسلم-([2])، فعن أنس -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))([3])، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- يستحق المحبة العظيمة بعد محبة الله -عزوجل-كيف لا وهو من أرانا الله به طريق الخير من طريق الشر، كيف لا وهو من عرفنا بالله –عزوجل-، كيف لا وهو من بسببه اهتدينا إلى الإسلام، أفيكون أحد أعظم محبة بعد الله منه؟!!.

جاء عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: "لأنت أحبَّ إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي" فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- : ((لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه)). فقال عمر: " والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفس التي بين جنبي". فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((الآن يا عمر)), فحب النبي - صلى الله عليه وسلم- يجب أن يكون أعظم حب بعد حب الله تبارك وتعالى، أعظم من حب الولد والوالد، وأعظم من حب الوالدة والإخوة، ومن حب المال والدنيا، وأعظم من حب الزوجة بل أعظم من حب النفس، فإذا لم يكن هذا هو واقع محبة النبي في قلب المسلم فإنه لا يذوق حلاوة سنته، قال سهل: "من لم ير ولاية الرسول- صلى الله عليه وسلم- في جميع الأحوال ويرى نفسه في ملكه - صلى الله عليه وسلم- لا يذوق حلاوة سنته، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه)).

 إن محبة محمد- صلى الله عليه وسلم- طريق إلى الجنة، وبوابة إلى حب الله عزوجل، وعبور إلى منازل الجنان، ودليل كبير على إيمان المرء وإخلاصه لله، وذلك بتطبيق محبة الرسول- صلى الله عليه وسلم- في امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فاتباع سنة محمد- صلى الله عليه وسلم- أكبر دليل وأعظم برهان على صدق محبته والإخلاص في حبه، ومن كانت محبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- متربعة في نفسه على بقية الناس فإنه يحضى بثواب من الله عظيم، جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: ((ما أعدتت لها؟)) قال: " ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله قال: ((أنت مع من أحببت))([4]).
إذا نحن أولجنا وأنت أمامنا *** كفى بالمطايا طيب ذكرك حاديا
فجزاء محبته- صلى الله عليه وسلم- هي أن مُحِبه سيكون معه- صلى الله عليه وسلم- في الجنة، وسيكون قريباً منه في المنزلة والدرجة، روي أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله؟ لأنت أحب إلي من نفسي ومالي، وإني لأذكرك فما أصبر حتى أجي فأنظر إليك، وإني ذكرت موتي وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلتها لا أراك. فأنزل الله تعالى قوله:{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}فدعا به فقرأها عليه. يا لها من منزلة رفيعة، ودرجة عالية، ومكانة عظيمة، إنها ثمرة محبة النبي الكريم، ثمرة محبة الحبيب وطبيب القلوب من تسعد القلوب وترتاح إذا امتلأت بحبه وتسموا النفوس إذا أنست بحبه, وترتاح الأجساد إذا تعبت في اتباع سنته، يقول - صلى الله عليه وسلم- : ((من أحبني كان معي في الجنة))([5]).

إن صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد ضربوا أروع الأمثلة، وصدروا أبرز المشاهد، وبرهنوا أعظم دليل على صدق محبتهم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقدموا من أجله الغالي والنفيس، فلم يهن عليهم شيء مقابل حب رسول الله، فالمال يهون والولد والزوجة تهون بل والنفس تهون مقابل حب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولا عجب ولا غرابة فمحبته خالطة بشاشة قلوبهم فسرت في عروقهم، وجرت في شرايينهم، وتشبعت بها أرواحهم، وسيطرت على أفكارهم، فمحمد- صلى الله عليه وسلم- هو أغلى شيء في حياتهم وليس أدل على ما قلته إلا قول أبي سفيان عندما قال لقومه : "ما رأيت في الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمدٍ محمدًا" فهذا عمرو بن العاص -رضي الله عنه- يقول: ما كان أحدٌ أحب إلي من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وهذه إحدى الصحابيات من الأنصار، تبرهن أحسن برهان في أصعب موقف وأشده على صدق حبها لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-  فقد قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، فقالت: ما فعل رسول الله؟ قالوا: خيراً هو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرينه حتى أنظر إليه. فلما رأته قالت: ((كل مصيبة بعدك جلل))كل مصيبة تهون وتصغر إلا مصيبتك يا رسول الله، يا الله ما أعظمها من نفوس وما أعظمه من حب صادق خالط بشاشة القلوب.

أما ابن عمه وزوج بنته فقد سئل -رضي الله عنه-: كيف كان حُبكم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ. رضي الله عن صحابة رسول الله أجمعين فقد تغلغلت محبة رسول الله في قلوبهم فلم يحبوا شيئاً في الدنيا مهما كان أمره ومهما كانت مكانته أعظم من حبهم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

أخي الكريم: اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبه، وكان مدعياً، فالصادق في حب النبي- صلى الله عليه وسلم- من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته واتباع أقواله وأفعاله. وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وإيثار ما شرعه وحض عليه على هوى نفسه، وموافقة شهوته([6])فهل أنت كذلك يا من تدعي حب محمد - صلى الله عليه وسلم- ، هل أنت من المُسَلِمين لأمره، الوقافين عند شرعه، المتبعين لسنته، الملتزمين طريقه ونهجه، اسأل نفسك أين أنت من سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، كيف حبك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، هل هناك دليل وبرهان على صدق حبك لرسول الله، أم أن الأمر ادعاء لا دليل عليه.

اللهم اجعلنا من أحبابك وأحباب رسولك.
اللهم املأ قلوبنا بمحبتك ومحبة نبيك، اللهم اجعلنا لهديه مهتدين ولسنته مقتدون، وعلى طريقه سائرون.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
------------------------------------
[1] - فوزية المطيري
[2] - الشفاء ص271.
[3] - البخاري ومسلم.
[4] - البخاري ومسلم.
[5] - رواه الترمذي.
[6] - الشفاء ص276.

ذم الرياء

قريبا بحول الله تعالى

النفاق والمنافقون

قريبا بحول الله تعالى

الثلاثاء، 7 فبراير 2017

سلامة الصدر:

 لقد حرص الإسلام حرصًا شديدًا على تأليف قلوب أبناء الأمة بحيث تشيع المحبة وترفرف رايات الألفة والمودة، وتزول العداوات والشحناء والبغضاء والغل والحسد والتقاطع . 
ولهذا امتن الله على المؤمنين بهذه النعمة العظيمة فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران:1033].
بل وامتن على نبيه صلَى الله عليه وسلم بأن أوجد له طائفة من المؤمنين تألفت قلوبهم: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال:62، 63].
وحتى تشيع الألفة والمودة لابد من سلامة الصدور، ونقصد بسلامة الصدور طهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد ومن كل الآفات الباطنة.
والحديث عن هذه القضية وهذا الخلق حديث مهم وتذكير لابد منه في وقت انشغل أكثر الناس بالظواهر واستهانوا بأمر البواطن والقلوب مع أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأجساد، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، ولأن الله تعالى قد علَّق النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:888، 89].
والقلب السليم هو القلب السالم من الشرك والغل والحقد والحسد وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة.
ثم إن رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" [البخاري].
فضل سلامة الصدر ومنزلتها عند الله تعالى:
يا صاحب القلب السليم أنت من صفوة الله المختارةفقد سألوا رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، فقال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان". قالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: "التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".

ثم نقول: إن سلامة الصدر سببٌ من أعظم أسباب قبول الأعمال الصالحة
قال صلى الله عليه وسلم:
"تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الحقد والحسد والغل؟!!
سلامة الصدر طريق إلى الجنة:
فأول زمرة تدخل الجنة: "...لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد.."[البخاري].
وقصة عبد الله بن عمرو مع ذلك الرجل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" معروفة فقد عاشره عبد الله ثلاث ليال فلم يجده كثير التطوع بالصلاة أو الصيام فسأله عن حاله فقال الرجل: "ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشًا ولا أحسُد أحدًا على خير أعطاه الله إياه".فأعلنها ابن عمرو صريحة مدوية :هذه التي بلغت بك...
وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة فقال:
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ) [لأعراف:43]. (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:477].
الله يمدحهم:( وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:9، 10].
فهيا إخواني وأخواتي نطهر قلوبنا من الحقد والغل والحسد حتى نسعد بصحبة الأبرار الصالحين، ونفوز بالقرب من رب العالمين، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن عبادٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء، على مجالسهم وقربهم من الله، فلما سئل عنهم أخبر أنهم أُناس لم تصل بينهم أرحام متقاربة.. لكنهم تحابوا في الله، وتصافوا..
فهلا سلمت صدورنا للمسلمين وصفت؟

أثرها على الفرد والمجتمع:يفوز صاحب الصدر السليم بكل الفضائل التي سبق الحديث عنها والنتيجة المباشرة هي:
· راحة البال والبعد عن الهموم والغموم.
· اتقاء العداوات.
أما بالنسبة للمجتمع فإنه يكون مجتمعًا متماسكًا متراصًا متكاتفًا ترفرف عليه رايات المحبة والإخاء ويصدق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى". [صحيح مسلم].
أنا أريد أن تتأمل معي هاتين الآيتين لتعرف قيمة سلامة الصدر بالنسبة للمجتمع: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120]، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا) [الأنفال:46].
فأعداء الأمة لن ينالوا منها مايريدون طالما ظل أبناؤها متحابين متماسكين سليمي الصدور غير متنازعين.
أمثلة من حياة الصالحين:
هذا سيد ولد آدم أجمعين عليه صلوات رب العالمين، يذهب إلى الطائف عارضًا نفسه على وجهائها وأهلها، فلم يجبه منهم أحد، فانطق مهمومًا، وإذا هو بسحابة قد أظلته فيها جبريل، ومعه ملك الجبال فناداه ملك الجبال: "إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [جبلا مكة] فقال صاحب الصدر السليم صَلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا".
فأي صبر وسلامة صدر هذا !!!.
ثم تأمل حاله صَلى الله عليه وسلم حين ضربه قومه فأدموه (أسالوا دمه) فمسح الدم وهو يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
واستحضر معي حالة المشركين معه صلى الله عليه وسلم في مكة وقد آذوه وسعوا في قتله حتى خرج من بين أظهرهم وكان الأمر كما أخبر الله عز وجل : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)
فلما مكن الله له ودخل مكة فاتحا ما انتقم ولا آذى بل قال لقومه:
"لا تثريب عليكم اليوم".والأمثلة من حياته صَلى الله عليه وسلم كثيرة، ننصح بقراءة سيرته.
نبي الله يوسف عليه السلام:وقصته مع إخوته أنموذج رائع لسلامة الصدر فبعد أن ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه ودخوله السجن إلى غير ذلك مما هو معروف مكن الله له وجعله على خزائن مصر فلما ترددوا عليه وعرفوه قالوا:
(تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ). فما كان منه إلا أن قَال: ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). ما حمل غلا.
ثم لما جاء أبوه مع اخوته: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100)
فلم يقل أخرجني من الجب كي لا يُخجلهم (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)، ولم يقل رفع عنكم الجوع والحاجة حفظًا للأدب معهم. (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فأضاف ما جرى إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر (إخوته).
ثم تأمل معي موقف الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - مع مسطح بن أثاثة إذ كان الصديق ينفق على مسطح فلما كانت حادثة الإفك كان مسطح ممن خاضوا فيها فأقسم الصديق ألا ينفق على مسطح فأنزل الله قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22)
فما كان من الصديق إلا أن أعاد النفقة على مسطح.
وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه في أوج انتصاراته وهو قائد الجيش يأتيه خبر عزل الفاروق له فما تكلم بما يدل على سخطه ولاترك ساحات القتال بل ظل مجاهدا كجندي من جند المسلمين بعد أن كان قائدهم.
ثم استمع إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول :
"إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة".
أما أبو دجانة رضي الله عنه فقد دُخل عليه وهو مريض فرأوا وجهه يتهلل (منور) فكلموه في ذلك فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي سليمًا للمسلمين".

أماعُلبة بن زيد فإنه لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة ولم يجد ما ينفقه بكى وقال: "اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أين المتصدق بعرضه البارحة؟" فقام عُلبة رَضي الله عنه، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم : "أبشر فوالذي نفسُ محمد بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة".

وانظر إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يُضرب ويُعذَّب على يد المعتصم، وحين أخذوه لمعالجته بعد وفاة المعتصم وأحسَّ بألمٍ في جسده قال: "اللهم اغفر للمعتصم".
سبحان الله!! يستغفر لمن كان سببًا في ألمه. إنه منطق عظيم لا تعرفه إلا الصدور التي حملت قلوبًا كبيرة عنوانها: **سلامة الصدر.***
وهل أتاك نبأ الشيخ ابن باز - رحمه الله - مع ذلك الرجل من الخرج؟
فقد تولى الشيخ القضاء في مدينة الخرج وجاءه رجل في قضية فسب الرجل الإمام ابن باز رحمه الله،وشاع الخبر في المدينة وخرج الشيخ إلى الحج ،وبينما كان الشيخ في الحج مرض الرجل ومات، فلما قُدِّم الرجل ليُصلَّى عليه، أبى الإمام الصلاة عليه بسبب سبه للشيخ ابن باز، وصلَّى غيره، فلما رجع الشيخ وأُخبر الخبر عاتب الإمام جدًّا على فعله، ولم يرض ما صنع، ثم إنه سأل عن قبر الرجل فأتاه وصلَّى عليه ودعا له.
فأين نحن من هؤلاء؟!!.

الأسباب المعينة على سلامة الصدر:
1- الدعاء
فإنه من أعظم الأساب لتحقيق المقصود ، وكان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم :(وأسألك قلبًا سليمًا)، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه. كما أثنى الله على المؤمنين لدعائهم:(وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا).
2- حُسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل:قال عمر: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
وقال الشافعي: من أراد أن يقضي له الله بخير فليحسن ظنه بالناس.
ولما دخل عليه أحد إخوانه يعوده قال: قوّى الله ضعفك ،فقال الشفعي رحمه الله: لو قوى ضعفي لقتلني،قال الزائر :والله ما أردت إلا الخير،فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.
3- التماس الأعذار وإقالة العثرات والتغاضي عن الزلات:- التمس لأخيك سبعين عذرًا.
- يقول ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا فإن لم تجد فقل :لعل له عذرًا لا أعرفه.
- يا أخي من المعصوم من الخطأ والزلات؟ قال بعضهم:الفتوة التجاوز عن زلات الإخوان.
- تذكَّر سوابق إحسانه فإنه مما يعين على التماس العذر وسلامة الصدر واعلم أن الرجل من عُدَّت سقطاته.
- استحضر أن المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يلتمس العثرات.
4- ادفع بالتي أحسن..ليس هذا من العجز، بل من القوة والكياسة قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34).
5- البعد عن الغيبة والنميمة وتجنب كثرة المزاح.6- معاملة النمام بما يستحقه فهو[فاسق - هماز مشاء بنميم - بريد الشيطان].
7- الهدية والمواساة بالمال فإنها من دواعي المحبة.8- الإيمان بالقدر ، فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه ولم يجد في قلبه حسدا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.
9- أخيرا تذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يشكر ربه على النعم التي أنعم بها حتى على غيره من الخلق حين يصبح وحين يمسي.
رزقنا الله وإياكم صدورا سليمة لا تحمل غلا ولا حسدا ولا حقدا.

من وسائل تربية المسلم لنفسه :
1-   التعبد لله والصلة به والاستسلام له . وذلك من خلال العناية بالفرائض وتطهير القلب من التعلق بغير الله .
2-   كثرة قراءة القرآن وتدبره والتفكر في أسراره .
3- قراءة الكتب الوعظية النافعة التي تصف دواء القلوب وعلاجها مثل مختصر منهاج القاصدين وتهذيب مدارج السالكين ونحو ذلك ، ومطالعة سير السلف وأخلاقهم وينظر في ذلك صفة الصفوة لابن الجوزي وكتاب (أين نحن من أخلاق السلف ) لبهاء الدين عقيل وناصر الجليل .
4-   التفاعل مع البرامج التربوية : كالدروس والمحاضرات .
5-   الحفاظ على الوقت وشغله بما ينفع العبد في دنياه وآخرته .
6-   عدم الإكثار من المباحات وإيلائها العناية الكبيرة .
7- الصحبة الصالحة والبحث عن الجلساء الصالحين ،الذين يعينون على الخير ،أما من يعيش في عزله فإنه يفقد كثيراً من المعاني الأخوية كالإيثار والصبر .
8-   العمل والتطبيق وترجمة المعلوم عملياً .
9-   المحاسبة الدقيقة للنفس .
10-   الثقة بالنفس ـ مع الاعتماد على الله تعالى ـ: لأن فاقد الثقة لا يعمل .
11-   مقت النفس في ذات الله وهذا لا ينافي ما قبله فعلى الإنسان أن يعمل مع ظنه أن في نفسه الخلل .
12-  العزلة الشرعية : أي لا يكون مخالطاً للناس في جميع أوقاته بل يجعل لنفسه أوقاتا يخصها بالعبادات والخلوات الشرعية.


 نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا ويجعلها منقادة لما يحبه الله ويرضاه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

الجمعة، 3 فبراير 2017

التصوف سنة نبوية شريفة:

  باسم الله الرحمان الرحيم :
إستفتاح:
مع طغيان الماديات على المعنويات، وكثرة ملاهي الدنيا وتكاثراتها ، أصبحت عقول معظم المسلمين وقلوبهم ، بل وكل أرواحهم مشتتة ، حتى وهم في المساجد.. 

فرويدا رويدا ننغمس في دنيانا الفانية هاته وفي كل مفاتنها ، بإعراض عن نذيره سبحانه وتعالى  :
(ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر)1 التكاثر..
بل ومع كثرة الكلام عن الدين، وكثرة المواعظ ..
ومع تكاثر الكتب والقنوات والمواقع والمجموعات الدينية ، ومع تنوع مناهجها: إفترقنا فريقين :
1- فريق يستمتع بالحديث عن الدين دون أن يفكر في تفعيل علمه..
2- وفريق مل من كثرة الدروس الدينية بكل خطاباتها ليغلق كليا باب العلوم الإسلامية ويرفع شعار: (كفانا الفرائض ،والدين يسير ولا يعسره سوى السنيون). 
ولهذا صار أيسر منهاج للترقي إسلاميا هو التعلم للعمل ، وليس للتلذذ بالمواعظ والمعلومات ، وإلا سيغرق المسلمون أكثر فأكثر في قوله تعالى :


يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون)2 الصف.
ولهذا كان معهدنا هذا لفقه العمل الصوفي، أو لتقل ملتقى التصوف السني.
 والذي يبقى كل هدفه :التعليم بإيجاز والتربية على كل العمل الإسلامي ، إنطلاقا من فقه العمل الصوفي..
 مع الحرص على رفع مستوى المومن تدريجيا ،حتى لا يغرق في التبسيط لحد الرجعية .. ولا في المعلومات الدينية دون تفعيلها .
ولهذا نحرص على : 

إيجاز كل مقامات الإسلام الثلاث: إسلام وإيمان وإحسان..
وبالتصوف السني  كمدخل أساسي لكل علوم الإسلام .. 
إذ لا يغير الله تعالى ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا كما قال سبحانه:
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) 11 الرعد
فمن القلب فالفكر ثم تزكية الروح البداية...  
(ونفس وما زكاها 7فألهمها فجورها وتقواها8 قد أفلح من زكاها9 وقد خاب من دساها10)سورة الشمس
فلنفوسنا من النقائص ، ما لله تعالى من الكمالات..
أولا :تعريف التصوف السني:

لتربيتنا الروحية السنية هاته ، أو للتصوف السني وفقه التزكية، أو لتقل لفقه الإحسان  مئات التعاريف التي نحصربداياتها في :

التربية بهدف التوجه الكلي لله عز وجل قلبا وقالبا ، جسدا وعقلا وقلبا وروحا ..
 وبكل محبة لوجهه الكريم سبحانه، لا لغاية أخرى مهما عظمت..

فالتصوف في جملة : إسلام يذاق قلبا وروحا.
ولقد عرفها سنيا جل العارفين بفقه الإحسان : 
(أن تعبد الله كأنك تراه ..فإن لم تكن تراه فإنه يراك) :
 كما قال الرسول صلوات الله عليه عن عمر رضي الله عنه.
ثانيا : كيف أتربى روحيا ؟
لن ننال كمال هاته التربية الروحية إلا بالعمل بأمره تعالى : 
(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)7 الحشر.. 
فكل السبل مغلقة إلا وراء رسول الله صلوات الله عليه :
فتأمله وتخيله صلوات الله عليه وهو في خلواته... 

فلقد كان لا يخالط الصحابة الكرام رضي الله عنهم إلا لضرورة دعوية أو حياتية..
 تأمله وهو جالس وحده صلوات الله عليه يذكرويناجي الله اللطيف الودود حبيبه الأعلى بكل لطف ومحبة ومودة ، وبكل خشوع وخشية ولذة وذوق روحي وقلبي... 
تخيله وحيدا معه تعالى (فردا لفرد) ، وهو في حضرة الله الحبيب سبحانه بكل سكون وبكل طمأنينة وكل خشوع..
تأمله وهو شاعر بهاته الحضرة الربانية يتبتل وحده بكل خشوع منفردا..

تأمله في حضرة الرب الحبيب الإله سبحانه ذي الأسماء الحسنى ، والصفات العلى، والأفعال المثلى..: 
فردا لفرد .. 
هو صلوات الله عليه وهو سبحانه وتعالى ، ولا غير ..
إنها خلوته أو لتقل إنها إعتكافه : 
 وإنها مقاماته الزكية، وأحواله الصفية، التي نريد أن نذوقها كما ذاقها صلوات الله عليه في هاته الحضرة الربانية ..
 المقامات والأحوال التي إحتار بل وشطح فيها شيوخ التصوف وجل العارفين قدس الله أسرارهم، بل ولا يزال يغرق فيها - لحد الفناء عن الأنفس- كل الصادقين مع الله تعالى من المومنين والمحسنين والسالكين .
إنها لذة العبادة ، وإنها حلاوة الإيمان، وإنها برد اليقين ، وإنها الخشوع الدائم.. فسكون وطمأنينة وسكينة وهدوء في كل الحركات والسكنات.

وإنها لغايات عظمى ، لكنها ورغم كل هاته المراقي فقط بداية الصادقين .. والتي يبقى كل بابها الأول قوله تعالى:
(ألا بذكر الله تطمئن القلوب)28 الرعد
 إنها غايات عظمى ، لكنها يسيرة بالله تعالى إن صدقت النيات ، وصدقنا في توجهنا لوجهه الكريم سبحانه.. وتمت لنا أركان التصوف الحق ، وتفضل الله علينا بولي مرشد خبير بهذا السلوك، أو من ينوب عنه:
(الرحمان فاسأل به خبيرا) 59 الفرقان. 
(ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) 17الكهف
ولهذا ورثنا هذا الفقه من شيخ مربي عن شيخ مربي ، ومن ولي مرشد عن ولي مرشد قدس الله أسرارهم جميعا..
فكانت علوم الشريعة لعامة الفقهاء..
كما كانت علوم الحقيقة والسلوك الروحي والقلبي هاته من تربية الأولياء قدس الله أسرارهم:
(فلكل شيء حقيقة..) كما روي عن الرسول صلوات الله عليه.
 وكما أن الفقهاء رضي الله عنهم يحدثوننا عن الشريعة ، وعن كل فتاوى العقائد والعبادات وبعض المعاملات ، وكل فقه الحلال والحرام ، يربي الأولياء قدس الله أسرارهم مريديهم  لذوق حقائق كل هاته العبادات..
وليذوقوا قلبيا وروحيا حقيقة كل الشريعة ..
وبحلاوة الإيمان ولذة العبادة كبداية.. وبعدها لكل مريد تصوفه:
ولهذا كثرت تعاريف التصوف ....
ثالثا :أركان التصوف السني:
للتصوف السني كل أركان الإسلام الخمس :
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة ،وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا.
 فأركان الإيمان الست:
(الإيمان بالله ، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره). 
ثم ركني فقه الإحسان:
مقام الشهود: (أن تعبد الله كأنك تراه)

 ومقام المراقبة : (فإن لم تكن تراه فإنه يراك). 
ثم أركانها الثمانية في إجتهادنا لعلنا نذوق من قبسات وأنوار الله تعالى، ومن أحوال رسوله صلوات الله عليه ، ومقاماته العلية.. ومن واردات الملهمين من أولياء الله الصالحين قدس الله أسرارهم... وسكينة وطمأنينة كل الصادقين.
فنكون من محبي الحق ومن أحباب الحق بحق.. وعن حق..
فما أركان التصوف الثمانية التي تلي هاته الأركان الثلاثة عشر؟:

1: تجديد النية:
يقول الرسول صلوات الله عليه:عن عمر رضي الله عنه إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى) رواه البخاري ومسلم..
فكم من عمل كثير تفسده النية؟ وكم من عمل قليل تزكيه النية؟
فأمر الإخلاص في النيات خطير .. خصوصا وأن هم الشيطان الأكبر :  إفسادها..
ولهذا وجب تجديد نياتنا عند وقبل وبعد كل عمل، لعلنا نخلص كل أقوالنا وأفعالنا، وكل تحركاتنا وسكناتنا ، وكل حولنا وكل قوتنا له سبحانه وتعالى، ولوجهه الكريم، أو على الأقل بغية الآخرة ، لا حرصا على الدنيويات. 
وتجديد النية ليس ركنا في التربية الروحية فحسب ، بل هو الركن الركين لكل إسلامنا.. بل وقبل كل أركان الإسلام ، وإلا فالنفاق والرياء أعاذنا الله وإياكم منهما  .

(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار..) 145 النساء
2: الإخلاص :
وهو أن يكون تدينك صافيا من كل نواقض الأعمال ، وأن تكون حقا صادقا مع الله تعالى، وساعيا لوجهه الكريم  ، دون أي حظ نفسي دنيء  .. 
فالإخلاص سر موهوب من الله تعالى ، ولا يعرفه إلا هو سبحانه وتعالى ، وما عدا المبشرين  لا يمكن لأي منا الجزم بأنه من عباد الله المخلصين .
3: عدم الرياء:
وهو نقيض الإخلاص .. والمرائي كالمنافق ، يتدين بغية السمعة والجاه ، وبنية ناقصة غير خالصة .. 
بل ولا يكون هدفه من التدين إلا مصالح دنياه ونفسه لا غير...
4: الخشوع :  
حتى تخشع في كل صلواتك وأذكارك وإبتهالاتك، وفي كل مناجاتك لا بد لك من :
1.4- تدبر معاني تلاواتك وأذكارك وكل أدعيتك: إذ يصلي لسانك وعقلك يتأمل في كل الكلمات ، لعلك تذوق معاني كل ما تصلي أو تدعوا به .. 

فتناجي بلسانك وقلبك وعقلك معا، لعل الله يمن عليك بصلوات روحك. 
2.4- الإطمئنان والسكون في كل حركات صلواتك : فلا تنقر الصلاة نقرا ، وتتلو وتسبح وتذكر وتدعو دون فهم لما تقول، فتتسرع في كل حركات الصلاة:
 فقم لله حتى تطمئن قائما، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، وقم حتى تستوي مطمئنا، فاسجد حتى تطمئن ساجدا ،واجلس بين الركعتين حتى تطمئن، وهذا في كل حركات وسكنات الصلا ة...

 فالسكينة من صفات الإيمان العليا، ولا تأتي دون خشوع في الصلوات.
3.4- التبكير للصلوت الخمس حتى لا تدخل في الصلاة وعقلك منشغل وقلبك مشتت.
4.4- المحافظة الدائمة على الوضوء: بل ولا يكون الوضوء لصلواتك فقط.

5: كثرة الذكر :
 لم يدع الله تعالى بالكثرة من أية عبادة عدا:
 العلم : 
( وقل رب زدني علما) 114 طه ، 
والذكر :
( واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) 45 الأنفال ،
 والشكر: 
(لئن شكرتم لأزيدنكم)  7 إبراهيم .. 
بل وأثنى الله على الذاكرين بكثرة في قوله تعالى: 

(والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) 35 الأحزاب :
وأول وأعظم ذكر قراءة وترتيل وتجويد وتدبر القرآن الكريم، ثم الصلوات بكل نوافلها، فالباقيات الصالحات :

(سبحان الله ،والحمد لله ،ولا إله إلا الله، والله أكبر،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)
ثم كثرة الإستغفار، وكثرة الصلاة على النبي صلوات الله عليه...

وبعدها وقبلها ومعها كل المناجات والإبتهالات والأدعية.
ثم الذكر والدعاء بأسماء الله الحسنى كلها كما أمرنا بذلك الله تعالى بقوله : 
(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)180 الأعراف.  
كما أن كل أنواع العلم ذكر إن خلصت النيات.
6: التدبر في القرآن الكريم :
إذ يقول الله تعالى : (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟)24 سورة محمد
وكما أن هناك آيات كبرى تدعونا لتلاوة ولترتيل ولتجويد ودراسة القرآن الكريم، هناك آيات كثيرة تدعونا للتفكر فيه وتدبره لحد الحديث عن علوم إعجازاته البلاغية والبيانية والعلمية والطبيعية  والمستقبلية  ...و.... بل ولحد إعجازاته الرقمية... وكل عجائبه.
وللتدبر الأولي ننصح بكتاب : (كلمات القرآن) لحسنين مخلوف كمدخل أول لتفسيره اللغوي قبل أي تفسير آخر.

7: التفكر :
بمعنى التدبر والسعي للفهم - بنية العلم والعمل معا - في القرآن الكريم ،والسنة الشريفة، وفي النفس والغيروالمجتمعات وكل الكون.
بل وفي كل ما حق من معارف وعلوم،  لعلنا نرقى للحكمة في العلم والعمل ، فنحافظ على صفاء عقيدة التوحيد ، وعلى كل ما يلزمها من عبادات مستقيمة ومعاملات جليلة ، لعل قلوبنا تذوق علم اليقين كعلم من علوم التصوف... 
بل ولعل الله يكرمنا بعين اليقين ، فحق اليقين ..
فنلهم كما ألهم ولا زال يلهم العارفين منا قدس الله أسرارهم..
(كلا لوتعلمون علم اليقين5 لترون الجحيم 6ثم لترونها عين اليقين 7..)
سورة التكاثر.
8: عبادة الله محبة فيه :
ورغم أننا سنفصل هذا في محاضرة (محبة الله تعالى) التالية.. فإن جواهر الحب الإلهي لا تشرح بل تذاق إنطلاقا من قوله تعالى للرسول صلوات الله عليه:
(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) 31 آل عمران
فلا محبة  دون شريعة  ... :
بل والمحبة الحقة والتصوف الحق هما: 
(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) 7 الحشر..
رابعا : التواجد: 
لكل هذا ترتكز التربية الصوفية بجل الزوايا على أذكار خاصة لكل شيخ ، يربي عبرها مريديه سالكا بهم سبيلا من سبل الهدى التي قال عنها الله سبحانه وتعالى :
 (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)العنكبوت (69)
 فلاحظ كيف جمع الله هنا بين فقه الإحسان وسبيل المحسنين وسبل الهدى في هاته الآية الكريمة ...
فلا ينهى الله سبحانه وتعالى إلا عن سبل التفرقة وسبل الضلال، لا عن سبل الهدى كما بقوله تعالى: 
( ...ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله...)  153 الأنعام.
فالضلال في كل ما يفرق، والإحسان كل الإحسان في كل مايوحد ويهدي عن بصيرة:
إذ روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلوات الله عليه : 
( إن أمتي لا تجتمع على الضلالة، فإذا رأيتم إختلافا فعليكم بالسواد الأعظم)
ولهذا نحث كل صادق في سلوكه القلبي على توحيد الصف مع عامة المسلمين، وتوحيد كل العقل ،وكل القلب، وكل الروح لله ، وهذا سبيل لم يسلكه بعد الأنبياء عليهم السلام إلا أولياء الله الصالحين قدس الله أسرارهم، والذين أوصونا جميعهم :
1- بكثرة الأذكار والإكثار من الأدعية.
2- بالخشوع في كل الصلوات كبداية لكل التواجد الصوفي.
لعلنا نذوق بعض أنوار العارفين حقا ، ونفوز بميلادنا الروحي إنطلاقا من حلاوة إيماننا ولذة عباداتنا كما بقوله صلوات الله عليه:
((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد رسولاً))
أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه عن العباس بن عبد المطلب
خامسا : من القلب البداية : 
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: 
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 
((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله،
 وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))؛ 
متفق عليه 

فرجاء ردد معنا في كل سجود:
(اللهم ارزقنا حلاوة الإيمان ولذة العبادة وبرد اليقين ). 
واللهم كل الصلاة وكل السلام وكل التسليم
على محمد وعلى آل محمد.

فروض :
أولا: إستخرج على الأقل 20 كلمة هامة من هاته النصوص.
ثانيا: لخص في أكثر من 10سطور ما فهمته منها.
ثالثا: إحفظ ما تيسر من آياتها وأحاديثها .
رابعا: إحفظ أركان الإسلام والإيمان والإحسان.
والله أعلم.